إسرائيل تضرب قطر- عدوان يتجاوز الخطوط الحمراء؟

المؤلف: بيلين فرنانديز09.14.2025
إسرائيل تضرب قطر- عدوان يتجاوز الخطوط الحمراء؟

مرة أخرى، تلقي إسرائيل بظلالها القاتمة على المنطقة.

ففي يوم الثلاثاء المنصرم، أطلق هذا المعتدي المتمرس صواريخه الخبيثة صوب الدوحة، العاصمة القطرية، مستهدفا قيادات رفيعة المستوى من حركة حماس، والذين كانوا منكبين على التفاوض بشأن مقترح أمريكي يهدف إلى وضع حد لإراقة الدماء في قطاع غزة، حيث تجاوز عدد الضحايا الفلسطينيين الأبرياء، جراء حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية الشرسة، عتبة الـ 64 ألف شهيد خلال فترة لا تتعدى العامين.

وإذا كانت إسرائيل قد تجلت مرارا وتكرارا في عدم اكتراثها بأي مساع للتهدئة، بما في ذلك تلك التي تقدمت بها القوة العظمى العالمية، والراعية الأكثر تفانيا لجرائمها، فذلك يعود إلى أن وجودها ذاته يقوم على محو الهوية الفلسطينية، والانغماس في حالة دائمة من العدوان والتوسع.

ولكن، بينما لطالما اعتبر أصحاب الضمائر الحية إسرائيل دولة خارجة على القانون، فإن هذا الاعتداء الصارخ على دولة قطر قد فتح أعين المجتمع الدولي على المدى الذي وصلت إليه الحكومة الإسرائيلية من التمرد على كل القيود والقواعد.

وعلى سبيل المثال، تمكنت قوى عالمية كبرى مثل بريطانيا وفرنسا والهند، على الرغم من انخراطها بدرجات متفاوتة في التواطؤ مع الإبادة المروعة في غزة وغيرها من الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في المنطقة، من إصدار إدانة قوية وغير مسبوقة بعد هذا الهجوم الوحشي على الدوحة.

بالطبع، هذا لا يعني إطلاقا أن استهداف قادة حماس داخل دولة تستضيف أضخم قاعدة عسكرية أمريكية في منطقة الشرق الأوسط، هو عمل أشد بشاعة من الناحية الأخلاقية مقارنة بقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين العزل في غزة، وأغلبهم من النساء والأطفال الأبرياء.

إنه بالأحرى اعتراف ضمني بأن حتى أشد المدافعين شراسة عن تهور إسرائيل الإجرامي قد وضعوا الآن خطا أحمر جديدا: لا يحق لإسرائيل أن تقصف من تشاء، وفي أي مكان تريده وفق أهواءها.

وقد جاء الرد الرسمي من البيت الأبيض، على لسان المتحدثة باسمه كارولين ليفيت، بالإعلان الصريح أن "قصف قطر بشكل أحادي، وهي دولة ذات سيادة وحليف وثيق للولايات المتحدة الأمريكية، وتبذل جهودا مقدرة للمساهمة في إحلال السلام، لا يخدم بأي حال من الأحوال المصالح الإسرائيلية أو الأمريكية".

ولكن، قبل أن نضفي على موقف البيت الأبيض أي قدر من المنطق أو الاتساق، أردفت ليفيت قائلة: "لكن القضاء التام على حماس، التي استغلت معاناة سكان غزة الأبرياء، هو هدف نبيل يستحق السعي إليه بكل الوسائل".

أما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد سعى إلى طمأنة الجانب القطري، وفقا لتصريحات ليفيت، بأن "أمورا كهذه لن تتكرر أبدا على أراضيهم".

ومع ذلك، يحق لدولة قطر أن تنظر إلى هذه "الطمأنة" بعين الريبة، إذ بات واضحا للعيان أن ترامب قد تخلى فعليا عن زمام السيطرة على تصرفات إسرائيل، سواء داخل أراضي الغير أو خارجها.

وقد أكد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، هذا الواقع المرير عندما قام بنشر التغريدة التالية على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأربعاء: "إن ذراع إسرائيل الطويلة سوف تطال أعداءها في كل مكان، ولا يوجد مكان يمكنهم الاختباء فيه".

أما رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فقد وجه تهديدا صريحا ومباشرا إلى دولة قطر، قائلا بلهجة حادة: "أقول لقطر ولكل الدول الأخرى التي تأوي الإرهابيين: إما أن تطردوهم من أراضيكم، أو أن تحاسبوهم على أفعالهم الشنيعة… وإن لم تفعلوا ذلك، فنحن من سيتولى المهمة بأنفسنا".

وكما جرت العادة، فإن الكيان الذي يحتكر اليوم ممارسة الإرهاب الإقليمي بلا منازع، بعد ما يقارب الثمانية عقود من عمليات التطهير العرقي الإسرائيلية الممنهجة، والتهجير القسري، والمذابح الوحشية التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، لا يجد أي غضاضة في تحديد من يُعتبر "إرهابيا"، ثم شن الهجمات الانتقامية عليه وفقا لأهوائه ونزواته.

وبالنظر إلى التعريف الإسرائيلي الزائف والمضلل لمفهوم "الإرهاب"، فإن الخطر لا يتهدد دولة قطر وحدها، فبحسب تصريحات نتنياهو نفسه، فإن "كل الدول التي تؤوي إرهابيين" مدرجة ضمن قائمة الدول التي يمكن أن تنالها "عدالة" إسرائيل، والتي تعني في أغلب الأحيان، ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات سافرة للقانون الدولي.

وقد أفادت قناة الجزيرة الفضائية، يوم الأربعاء الماضي، بأن إسرائيل قد نفذت عمليات عسكرية غادرة في ست دول مختلفة خلال فترة لا تتعدى 72 ساعة فقط. فبالإضافة إلى فلسطين وقطر، شملت هذه الاعتداءات الأراضي اللبنانية والسورية والتونسية واليمنية، حيث قتلت إسرائيل 35 شخصا بريئا في اليمن بعد يوم واحد فقط من قصفها الغاشم للدوحة.

وفي ضوء هذه التطورات المتسارعة، فإنه لا يمكن لأحد أن يجزم على وجه اليقين بمن سيكون في مأمن من "ذراع إسرائيل الطويلة" في المستقبل القريب، ولكن يبدو أن قائمة الآمنين تتقلص بصورة تدريجية. فمنذ عقود طويلة، أثبت جهاز الموساد الإسرائيلي استعداده التام لاغتيال النشطاء الفلسطينيين حتى على الأراضي الأوروبية.

واليوم، وفي ظل استمرار الإبادة الجماعية البشعة في غزة، فإن كل "إرهابي" يتم تحديده في الخارج، وفقا للتصنيف الإسرائيلي الأحادي، يمثل مكسبا ثمينا لإسرائيل، وذلك بهدف تبرير جرائمها النكراء، وتحويل الأنظار بعيدا عنها.

وإذ تغرق إسرائيل في نشوة القوة المطلقة التي تتمتع بها، وبقدرتها الفائقة على إحداث الخراب والدمار في أي مكان تختاره، فإن إعلان نتنياهو غير المباشر للحرب على العالم بأسره يجب أن يكون، في أقل تقدير، بمثابة جرس إنذار أخير لأولئك الذين لا يزالون مخدوعين بسراب "العدالة الإسرائيلية" القاتلة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة